5‏/12‏/2011

عبّاد شمس

نور ذهبي دافئ أضاء جدران الحجرة. نظر قليلا من بلّور النافذة. لم يرى الشمس. رغم إحساسه بوجودها في مكان ما. ربّما في قطعة من السماء خلف إحدى البنايات. عاد ببصره داخل جدرانه وغمرته سعادة لم يتبيّن مصدرها. وخطرت له فكرة. ودّ لو يسقي زهرات عبّاد الشمس. غير أنه فكّر بأن ذلك سيؤدي حتما إلى تلفها. تأمّلها مليا. اثنتي عشرة زهرة بأحجام وأوضاع مختلفة. استعصت على التصفيف، فوقفت خجولة، مرتبكة، متشابكة السيقان في مزهرية الفخار ذات اللون العاجي. لاحظ أن زهرة صغيرة، رفيعة العود توشك أن تنكفئ على وجهها. في حين تدير زهرتان كبيرتان وجهيهما إلى الحائط تتأمّلان تدرّج الأزرق على الحائط الجيري.
رغب في تغيير وضعية المزهرية، حتى يتمكّن من رؤية جانبها قبالة الحائط المشرق. غير أنه سمع وقع خطوات تقترب. تلهى بتأمّل الزهرة الصغيرة بلونها الأصفر الهادئ وهي بالكاد تقاوم السقوط من الإطار المعلّق، لتقع على المفرش. مشاعر من الأبوّة الصادقة ربطته للحظات مع هذه الزهور المتشابكة، بمختلف تدرّج لونها الأصفر المتجانس مع البني والأخضر وبعض السواد. طُرق الباب برفق. دلفت الحجرة بخفة، فتدفّق معها شلال من الفرح والنور. كانت تحمل في يدها باقة صغيرة من البنفسج. ارتمت في حضنه مستخفة بتحذيرات الطبيب. غمرته بالقبل وقالت بحماستها المعتادة:
- .. كم اشتقت إليك يا أبي.. ستغادر اليوم هذه الحجرة، وهذه المصحة...
بادلها العناق، وسألها:
- هل يمكن أن نأخذ معنا مزهرية عبّاد الشمس؟
وشى وجهها بالاستغراب والألم، فقال لها وهو يكتم نشيجا خفيا:
- إذن أطلبي منهم أن يعتنوا بها، أخشى أن تذبل الزهرة الصغيرة، وتموت على المفرش... دون أن تضمها يد...
روضة السالمي، تونس 2011



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق