28‏/3‏/2012

مقال في جريدة لابراس عن القصة المصوّرة الأصدقاء في بلاد الديناصورات

Des amis au pays des dinosaures à la Cité des sciences

Une BD pour remonter le temps

Une BD pour remonter le temps
 En classe, Kéfi bavarde.  Une question  le fait, soudain, sursauter: «Combien d’années ont vécu les dinosaures sur terre?». «Trop longtemps, je crois», répondra-t-il, l’air  perplexe. Au fait, il n’avait rien entendu de ce que la maîtresse venait d’expliquer. Du coup, toute la classe s’est mise à rire. Pour le punir, la maîtresse le somme de préparer, pour le lendemain, un dossier complet sur les animaux disparus... A la sortie de l’école, commence l’aventure «des amis au pays des dinosaures». «Une aventure qui s’étalera sur six épisodes», précise Raoudha Salmi, la scénariste d’ une bande dessinée éditée par la Cité des sciences de Tunis.  Après avoir publié le premier numéro, au mois de janvier dernier, la Cité prépare la sortie des deuxième et troisième albums avant les vacances scolaires.  L’objectif de cette BD est de «rendre plus vivante l’exposition ‘‘Dinosaures sahariens’’ qui se tient dans les locaux de la Cité depuis le 24 mai 2011 et jusqu’au 31 août 2012», explique encore Raoudha Salmi.
Diplômée de l’Institut de presse et des sciences de l’information (Ipsi) et employée à la CST, Raoudha Salmi avoue ne pas avoir une grande expérience dans ce domaine. C’est à travers les sites d’internet spécialisés qu’elle a pu s’initier à la technique de la BD. «Malheureusement, il n’y a que les sites occidentaux qui offrent ce genre de services», ajoute-t-elle. Habituée à écrire des contes et des pièces de théâtre pour enfants, Raoudha n’a pas trouvé de grandes difficultés à manipuler les bulles.... «Mais, c’est à améliorer certainement», précise-t-elle avec le sourire. Une première expérience, à notre avis, réussie. Le scénario est alléchant, bien rythmé et dynamique. Les images, même si elles sont traitées à l’aide de l’ordinateur, ne sont pas décevantes. Bien au contraire, elles décrivent soigneusement les mouvements et traduisent parfaitement les émotions.
«Aucun dessinateur n’a répondu à notre appel d’offres. J’ai eu alors recours à un ami, Hatem Bouzouita, informaticien, mais passionné de littérature», fait observer Raoudha. Pour elle, la bande dessinée tunisienne est presque inexistante. Les albums se font de plus en plus rares, les scénaristes, ainsi que les dessinateurs tombent dans l’oubli.... Le vide est flagrant. Si elle s’est plongée, avec son ami dans cette aventure audacieuse, c’est parce qu’elle est convaincue que la BD est le moyen le plus efficace pour vulgariser les sciences et pour fidéliser le jeune public . Cet album est une manière de représenter, d’une autre manière, l’exposition « Dinosaures sahariens », événement phare de cette année.
Réalisée par une équipe de scientifiques et d’artistes tunisiens, cette exposition exhume un patrimoine géologique national. Elle propose cinq dinosaures, placés dans l’environnement de l’époque (le Crétacé). Ce sont des Carcharodontosaurus Saharicus, reconstitués à partir des ossements réels et des restes de fossiles découverts en Tunisie, en 1951, entre Remada et Tataouine. «Kéfi et ses amis voyageront dans le temps et entreront en contact avec ces dinosaures. A chacun une histoire. A chacun une vie. Ils découvriront progressivement l’herbivore Jobaria, le carnivore, le piscivore Spinosaurus. Ils s’occuperont, sans le savoir, d’un œuf de dinosaure. Je n’en révélerai pas plus», dira-t-elle, avec un large sourire aux lèvres.
Auteur : Hela Hazgui
Ajouté le : 14-03-2012

27‏/3‏/2012

الموتى لا يحلمون أبدا، قصة بقلم روضة السالمي

كانت هنالك جلبة كبيرة، أصوات متداخلة، ووقع أقدام. أقدام كبيرة مسرعة. بعضها يعدو. وبعضها يقفز.

وسمعت صوتا يقول لي اركض. احترت. إلى أين يمكنني الذهاب. تحسست ساقي. ولسعادتي وجدت أن الجبيرة التي كانت تغلفهما قد زالت.

وتساءلت إن كان الصوت الذي سمعته هو صوت أمي. تلفت حولي. لاشيء. هدوء يغلف المكان. كل شيء مرتب. كل شيء في مكانه. مسدسي في مكانه. وأنا في مكاني. لا أثر للأقدام في الغرفة ذات الزوايا المتقاربة. لا شيء البتة.

غير أن الأصوات المتداخلة كأغصان شجرة اللبلاب كانت تحيط بي من كل جانب. ونفس الصوت الملح يدعوني للركض.

- اركض

- إلى أين؟ همست.

صمت الصوت قليلا. ثم عاد ليقول:

- اركض

نطقها بنبرة زاجرة هذه المرة. خفت. انكمشت على نفسي. تحسست جسمي. كل شيء في مكانه. تقريبا. بقايا أوجاع بعيدة. وكأن أحدهم ضربني بشدة قبل أن يتركني وشأني ويمضي بعيدا.

كل شيء صامت عدا هذه الضجة التي تخرج من جحيم رأسي. سؤال ملح يطرح علي نفسه. لماذا أهرب. أنا سعيد هنا.

غير أن الصوت أجاب تساؤلاتي الصامتة بنفس اللهجة الآمرة:

- اركض

- لماذا أركض؟

الأصوات من حولي تتداخل لتصنع صدى الأقدام الكبيرة الراكضة.

**

- هل تعتقد أننا سنصدق حكايتك؟

قال لي أحدهم وهو يشعل سيجارة من عقب أخرى.

- هل تريد واحدة؟

قدم لي سيجارته فأخذتها بيد مرتعشة. نظرت إلى يدي. هل هذه يدي؟ أين أنا؟

أشعل لنفسه واحدة جديدة. نفث دخانها في وجهي. تابع نظراتي وقال:

- لماذا قتلتها؟

**

- اركض

- اركض

- اركض

مئات الأصوات تصرخ بي أن أركض. أتحسس الجبيرة التي كانت تلف ساقي. وأتساءل من نزعها. متى استرجعت عافيتي؟ هل استرجعتها. تحسست مسدسي. كان دافئا. سرق ما بقي من حرارة جسمي. كل الأصوات تشبه صوتها. لست أحلم. أعرف ذلك. منذ أن مت لم أعد أحلم مطلقا.

وقع الأقدام الراكضة يقترب مني. أفتح عيني. يحتفظ المكان ببعض النور الخافت. لا أرى شيئا في ما حولي. كل الأشياء تحتفظ بنسقها العادي. قلبي كعادته لا يدق. أصابعي تحسس صدري. تغوص فيه. تستخرج القلب تضغط عليه بشدة. لا يرف. كل شيء عادي إذن. يعود الصوت ليقول لي اركض. فأصرخ لماذا؟ لا يجيني ذلك الصوت الذي يشبه صوتها.

- اركض

تصرخ الأصوات بي. تصرخ أقوى فأقوى. تصرخ داخل رأسي.

**

- اسمك؟

صرنا خمسة في الغرفة التي احتدمت برائحة التبغ والجوارب القديمة. أستغرق في صوت آلة الرقن التي تقتنص أحرفي.

- لا أدري

- سجل ماهر عبد الرحمان. قال الرجل الذي يقف ورائي.

آلام حادة في رقبتي تمنعني من الالتفات.

- سنك؟

- لا أدري

- مهنتك؟

- لا أدري

- سجل أنه شرطي. ثم قال: ولا تعرف طبعا أنك مورط في جرائم قتل.

- إنه يدعي الجنون. قال الذي يواجهني تماما. وبصق قرب حذائه.

- وطبعا أنت مصر على حكاية أنك ميت. قال رجل آخر لا أذكر أنني سمعت صوته من قبل وضحك بصوت مرتفع.

**

وقع الأقدام يمزق مسامعي. وقع أقدام تركض في اتجاهات عديدة.

- اركض

- اركض

نهضت. نهضت بصعوبة. الأصوات تلتف بي. تدوس على رأسي بأقدامها الراكضة. تتغلغل في داخلي المثقوب.

- اركض وغير شكل العالم.

- اركض وغير شكل العالم.

- اركض وغير شكل العالم.

- اركض وغير شكل العالم.

- اركض وغير شكل العالم.

نفس الصوت المكرر. صوتها. لماذا أركض؟ درت في الغرفة أبحث عن مصدر للصوت. عن مصدر لبعض الضوء. الأصوات تحتد أكثر فأكثر. خطواتي أصبحت تشبه الأقدام الراكضة. لا أصدق أنني أجري داخل الغرفة. لا أصدق ما أسمع. لا أصدق أن ذلك يحدث حقا. فأنا رجل ميت.

- مسدسك. قال لي الصوت.

ارتعبت قليلا. فقد تعودت على أمره لي بالركض. توقفت قليلا فصرخ بي.

- اركض وغير شكل العالم بمسدسك.

بدا لي الصوت قريبا جدا هذه المرة. وكأنه يخرج من حنجرتي. لم أكن أحلم. ليست تلك هلوسات فأنا ميت والموتى لا يتناولون الحشيش. فهل أنا مجنون؟ لا يهم إن كنت مجنونا فأنا ميت على كل حال. والموتى متشابهون. غير أنني لا أكف عن سماع هذه الأصوات التي تحيط بي من داخلي.

درت في الغرفة المربعة ذات الزوايا المتقاربة. درت أبحث عن الصوت. غير أنه كان يخرج من رأسي. وقع الأقدام في مسامعي يقترب مني في كل لحظة. نور الغرفة المعتمة لا يتيح لي رؤية أي شيء غير معتاد.

**

- لماذا أخرجت قلبها من صدرها بعد أن قتلتها؟

نقر أصابع الرجل على الآلة الراقنة كان متسارعا. لو كنت حيا وفي موقف كهذا لقلت بأنه يشبه دقات قلبي.

كان يحدثني وكأنه يحدث نفسه أو أوراقه. لا شيء مني يعنيه ولا أسئلته تهتم بإيجاد إجابة عندي. كان يسألني ويجيب عني. كان وكأنه أنا. غير أنني ميت وهو حي أو مازال منه شيء على قيد الحياة. أم لعلني الحي وهو الميت.

لا أدري بالضبط أين أنا. من الواضح أنه مركز للشرطة. غير أنه بدا لي وكأنه مقهى مهجور أو مدرسة مات كل من فيها من تلاميذ ومعلمين. أحاول ربط الأشياء في ما بينها غير أنها تستعصي على المنطق. منطق الأحياء. أتسائل متى ستتم محاكمتي. غير أنه يحز في نفسي أنني لم أعرف جريمتي بعد.

- لا تخف، يجيبني وكأنه قابع في أفكاري، سنعرف كل شيء بطرقنا. أعقب قوله بصمت. ثم انفجر الجميع ضاجين بالضحك. احترت إن كان علي أن أجاريهم في الضحك أم لا. غير أن عقب السيجارة الملتصق بشفتي ذكرني أنه لم يعد لي فم. وهل ذلك مهم. الموتى لا يحتاجون لفم للتعبير عن انبساطهم. تكفيهم أعقاب السجائر.

**

- اركض وغير شكل العالم بمسدسك.

تضغط الكلمات الواضحة الآمرة على أصابعي فينطلق الرصاص من مسدسي. كان لا يزال دافئا. بدا أكثر الأشياء وضوحا في عتمة الغرفة. ركضت في الغرفة المربعة الضيقة ذات الجدران المثقوبة المتقاربة. ركضت. ركضت. ركضت. وركضت معي الأصوات. أطلقت الرصاص عليها. أطلقت الرصاص على هذه الأصوات التي تشبه صوتها. أطلقت الرصاص في كل اتجاه.

لم أنتحر كما هو متوقع في مشهد كهذا. فقد كنت ميتا منذ مدة. وكان الدود يطل برأسه من كل جسدي. كان الرصاص عبارة عن كرات من الدم المتعفن. عن لفافات من الدود الأبيض الدقيق. عن قيح متخثر. عن ضحكات مجنونة. رصاصات من الموت في كل اتجاه. غير أن الأصوات لم تصمت. فكرت أنه من الممكن أن تكون أصوات الموت هي التي تصيح وتصدر الأوامر في داخلي.

طيلة ذلك الوقت لم أكن خائفا. الموتى لا يخافون. الضجة لم تخفني. وسعادتي باستعادة حرية السير بأقدامي لم تكن توصف. غير أن الصمت عم كل شيء. وكأن نصلا مزق المشهد إربا. طعنه في صدره. استخرج قلبه. ورمى الرأس بعيدا. وحين عم الصمت، تلفت حولي.

كل ما يحيط بي عادي وفي مكانه. كل شيء مرتب. لا أثر لشيء آخر في الغرفة غيري. وغير رائحة التبغ. لم أكن أحلم. فالموتى لا يحلمون. غير أن صوت آلة الرقن أخذ مكان أصوات الركض. وأصابع الرجل تركض فوق أزرار آلة الرقن. تلتهم صمتي.

**

- ألم يكفك اغتصابها؟ قال صوت بلكنة غريبة.

- لماذا قتلتها ومثلت بجثتها؟ قال صوت آخر.

لم أكن متأكدا من أن الحديث موجه لي. صمت قليلا. ثم قلت

- إنها أمي.

أردت أن أواصل الكلام. وددت أن أقول أن صوتا يشبه صوتها الذي لا أعرفه جعلني أفيق من سباتي وأركض. غير أن لغطا وأصواتا متداخلة كأغصان شجرة اللبلاب أو كأسلاك شائكة غطت على صوتي.

- لقد اعترف.

- أخيرا اعترف النذل الحقير الجبان.

- كنت واثقا من أنه سينهار. لقد هزمناه. انتصرنا على ادعاءاته فقدان الذاكرة والجنون.

- اللعين. يستغل مهنته. وكل امرأة يلتقيها يغتصبها ويقتلها ليخرج قلبها من جسدها ثم يدعي أنها أمه.

- الإعدام قليل عليه.

**

تداخلت الأصوات. تداخلت وتشابكت. لم أتوقف عن الركض في الغرفة وإطلاق النار. كل الأصوات تشبه صوت أمي. لم أقتل أحدا. فأنا ميت منذ زمن. ولا يحق لأحد أن يحاكم ميتا مهما كانت تهمته. ما زلت أركض في الغرفة. وتركض معي الأصوات.

- قف

عاد الصوت ينقر مسامعي من جديد. صوت دافئ. قادم من بعيد. يشبه شمس أمي. غير أنني لم أعد أستطيع الوقوف.

- قف

صرخ الصوت من جديد. غير أن صراخي غطى صوته القادم من أعماقي. لن أقف بعد الآن فقد وجدت ساقي. أسمع أقدامي تركض في الغرفة التي أخذت في التأرجح بين الضيق والاتساع.

- قف. إني آمرك.

لم أقف. فقدت القدرة على التوقف. الموتى لا يهتمون أبدا بإشارات خفض السرعة. لن أقف لأن لعبة الركض وإطلاق النار تناسبني. رغم أنني اكتشفتها متأخرا. كعادتي.

**

- قف، سنتلوا عليك أمر إيقافك لتمضي عليه. أنت موقوف بتهمة اغتصاب وقتل وتمثيل بجثة امرأة.

لم أقف. كان الأمر أشبه بحلم. غير أنني واثق من أنني لا أحلم. فأنا رجل ميت منذ سبعة وخمسين عاما. لم أقف. كان الأمر أشبه تماما بفصل من مسرحية سريالية. وكنت طول عمري رجل نظام أكره فن العبث. لم أقف. ربما أكون فعلا قد قتلت. لكن الأموات لا يحاكمون على جرائمهم. يكفيهم موتهم. ثم إنني أكره النساء. المرأة الوحيدة التي عرفتها كانت أمي. وقد ماتت وهي تلدني. فكيف أقتلها وهي ميتة مثلي.

**

كانت هنالك جلبة كبيرة، أصوات متداخلة. أزرار آلة الرقن لا تتوقف. ووقع أقدام. أقدام كبيرة مسرعة. بعضها يعدو. وبعضها يقفز.

وسمعت صوتا يشبه العواء يقول لي قف. احترت. كيف يمكنني الوقوف. تحسست ساقي. لم تكونا في مكانهما. وأجابني نفس الوجع المضني الذي لم أتعود عليه إلى الآن رغم أنني ميت.

وتساءلت إن كان الصوت الذي سمعته هو صوت أمي. تلفت حولي. لاشيء. هدوء يغلف المكان. كل شيء مرتب. كل شيء في مكانه. مسدسي في مكانه. وأنا في مكاني. أقدامي بعيدة عني أميالا كثيرة. ولا أثر للأقدام في الغرفة ذات الزوايا المتقاربة. كل الرؤوس التي كانت تطل علي لم تعد موجودة. لا شيء البتة.

غير أن الأصوات المتداخلة كالأسلاك الشائكة فوق قبري كانت تحيط بي من كل جانب. ونفس الصوت الملح يدعوني للوقوف.

- قف

- كيف أقف؟ همست.

صمت الصوت قليلا. ثم عاد ليقول:

- قف

نطقها بنبرة زاجرة هذه المرة. خفت. انكمشت على نفسي. تحسست جسمي. كل شيء في مكانه. تقريبا. بقايا أوجاع بعيدة. وكأن أحدهم ضربني بشدة قبل أن يتركني وشأني ويمضي بعيدا. قبل أن يتركني أشلاء بلا حياة.

كل شيء صامت عدا هذه الضجة التي تخرج من جحيم رأسي. سؤال ملح يطرح علي نفسه. لماذا يحدث لي ذلك مرة أخرى حتى وأنا ميت.

غير أن الصوت أجاب تساؤلاتي الصامتة بنفس اللهجة الآمرة:

- لست ميتا

- هل أنا حي؟

لم تجبني الأصوات هذه المرة. حافظت على ضجتها وتداخلت لتصنع صدى الأقدام الكبيرة الراكضة. وتمنيت في ما يتمناه الميت لو كانت ساقي معي.

- لست ميتا صرخت بي الأصوات.

- بل أنا ميت. همست

صمت الصوت قليلا. ثم عاد ليقول:

- لست بميت

نطقها بنبرة حزينة هذه المرة. خفت. انكمشت على نفسي. تحسست جسمي. كل شيء في مكانه. تقريبا. بقايا أوجاع بعيدة. وكأن أحدهم ضربني بشدة قبل أن يتركني وشأني ويمضي بعيدا. فهل أصدق أنني لست بميت.

- لست ميتا عادت الأصوات تصرخ بي من جديد.

- انهض.

- اركض.

- غير شكل العالم بأظافرك.

- بمخالبك.

- بأسنانك.

- بمشط شعرك.

- بمسدسك.

- انهض فأنت ميت لا محالة.

الأصوات تحيط بي من كل جانب. تخرج من عمقي. من قاع قاعي. لم أنهض. أعرف أن ذلك ليس حلما. أعرف أنني ميت. وأعرف كل تاريخي الذي لم يبدأ بعد. عادت الجلبة الكبيرة، الأصوات المتداخلة، ووقع الأقدام. أقدام كبيرة مسرعة. بعضها يعدو. وبعضها يقفز. وسمعت صوتا يقول لي مت. مت الآن. فتساءلت إن كنت لم أمت بعد. تحسست جسمي. كانت باردا. أبرد من المعتاد.

وتساءلت إن كان الصوت الذي سمعته هو صوت أمي. تلفت حولي. لاشيء. هدوء يغلف المكان. كل شيء مرتب. كل شيء في مكانه. مسدسي في مكانه. وأنا في مكاني. لا أثر للأقدام في الغرفة الضيقة ذات الزوايا المتقاربة. لا شيء البتة. سوى جثتي ترعاها الديدان.



روضة السالمي، تونس في 24 أفريل 2005

13‏/3‏/2012

يزن يريد أن يعود إلى بطن أمه

أطفأ اليوم يزن شمعته الخامسة. فأقام له والداه احتفالا بسيطا، بعض الهدايا، كعكة عيد ميلاد، وبالونات تزيّن السقف، ثم استمتعوا بمشاهدة ألبوم الصور.
توقّف يزن عند صورة لأمّه، وسألها:
- ماما لماذا تبدو بطنك كبيرة هكذا؟
تبادل والداه ابتسامة، وأجابته والدته:
- هل نسيت؟ لقد كنت في بطني..
فقال يزن وهو يمرّر يده الصغيرة على بطن أمه:
- وكيف كنت أعيش داخل بطنك يا ماما؟، هل سبّب لك ذلك ألما؟
ربّتت أمه على خدّه وقالت ضاحكة:
- لقد كنت سعيدة بوجودك في بطني.. وعندما كنت تنمو من شهر لآخر، كانت بطني تتمطّط لتوفّر لك الغذاء والإحساس بالراحة..
فتح يزن عينيه بدهشة، وسأل:
- فهل كنت عندما أكبر كلّ شهر، أطفأ شمعة عيد ميلاد؟
ضحك والداه، وقال أبوه:
- لم تكن تطفئ شمعة، لكنك شكلك كان يتغيّر من شهر إلى آخر
تزايد فضول يزن، وسأل وهو يقلّب صفحات الألبوم:
- يعني أنّ شكلي وحجمي كانا يتغيّران باستمرار
أجابته والدته وهي تريه صورة لها وهي برفقة والده:
- هل ترى هذه الصورة، لقد كنت صغيرا بحجم رأس الإبرة
بدا الاندهاش على وجه يزن وسأل غير مصدّق:
- ألهذه الدرجة؟
فقال والده:
- أجل، كنت صغيرا جدا، وقلبك ينبض
التفت يزن لوالده متعجّبا:
- قلبي ينبض وأنا في حجم رأس الإبرة؟ ورأسي... كيف كان شكل رأسي؟
قلّب والده صفحات الألبوم وأشار لصورة أخرى:
- أنظر، أمك هنا في أسبوعها الثالث من الحمل، وكانت رأسك الجميلة ورئتيك تتكوّن شيئا فشيئا
احتضنت درصاف يزن وقالت:
- لقد كانت أياما جميلة.. وأشارت إلى صورة أخرى: انظر، كنت حاملا بك في الشهر الثاني، هذه بطني وقد ازدادت استدارة، فقد بدأت أطرافك العليا والسفلى في الظهور وأخذت معالم وجهك تتضّح..
قال يزن متعجّبا:
- واو... رائع، هل كنت أشبه وجهي الحالي؟
- ليس تماما يا عزيزي، كان بالإمكان من خلال صور الأشعّة تمييز فتحات الأنف، والشكل الأولي لشبكية العين..
وواصل عادل:
- وفي الأسبوع السابع، قارب حجمك حبة الفول
صاح يزن ضاحكا:
- حبّة فول، إنه أمر مضحك
قلّب عادل صفحات الألبوم وقال:
- نعم، إنه لأمر رائع، وفي الشهر الرابع أخذت أعضاؤك مكانها، وبدأت تعمل، وأخذ قلبك يدقّ بسرعة كبيرة..
وأردفت درصاف مازحة وأشارت إلى صورة جديدة:
- وأصبحت بطني أكبر من ذي قبل، انظر، لقد كنت في بداية الشهر الخامس من الحمل وكنت أنت تسبح وتتحرّك في كلّ اتجاه
- الأب: وفي الشهر السادس، تنبّهت حواسك وأصبح بإمكانك أن تشعر بالأصوات في العالم الخارجي
- الأم: وفي تلك الفترة وعندما أصبح حجمك أكبر، كنت أقضي وقتا طويلا في سماع الموسيقى الهادئة
- الأب ممازحا: لكن يبدو أن ذلك لم ينفع، لأنك تحب قرع الطبل
- أووه أبي، هيا أمي، واصلي، إنها حكاية مدهشة
- الأم: كنت كلّما ازداد حجمك، كان بطني يكبر، وكنت أشعر بسعادة لأن نموّك جيد، رغم أنه قد أصبح من الصعب عليّ التنقل والحركة برشاقة
- وفي شهرك الثامن أصبحت معدتك وأمعاؤك وكلاك جاهزة للحياة الخارجية
- وفي الشهر التاسع سمعنا لأوّل مرّة صوتك بعد اكتمل نموّ كبدك ورئتيك
- يعني أن عمري الآن هو خمس سنوات وتسعة أشهر
- لكن الأشهر التسعة التي نقضيها في رحم الأمّ لا يقع احتسابها
- سنفكّر في ذلك مستقبلا

روضة السالمي أكتوبر 2011

5‏/3‏/2012

أحمر شفاف

في خلسة من الزمن ضج الصمت بالكلام.. ولبست السكينة كفن الحركة.. وحين رفضت السماء المختفية خلف جدرانها الهشّة سماع همس الأنين.. ارتدى جسمه وخرج عاريا إلى الشارع..
لم تمطر بقايا الغيوم الآبقة في الأزرق المتناهي.. وما هطلت على الإسفلت غير حمرة الروح النازفة.. وقبل أن يكمل عامه الثالث والعشرين، اخترق جسمه الشفاف الفائر شيء صلب، اسطواني الشكل.. فسقط على إسفلت الشارع.. سعيدا بألمه وبالأحمر الذي يتوسّطه بياض تتعانق فيه الكواكب والنجوم..
تسارعوا من حوله.. تجاذبوا جسمه المثقوب لدفنه في اسفنجة انتماءاتهم.. هو الذي ما خرج عاريا من خوفه ومن التاريخ المختنق بصمتهم من أجلهم.. كالآلاف مثله كان، كيانا بسيط الأمنيات.. يستعمل مثبّت شعر.. يحب استعمال التكنولوجيا.. يتحمّس لمباراة كرة قدم.. وقد يحفظ للمتنبي أكثر من ثلاثة أو أربعة أبيات.. وتتبدّى علاقته باليسار واليمين عندما يريد اجتياز الطريق.. تكاد تنحصر طموحاته في ثلاثة أشياء: أن يكون إنسانا يسير منتصبا على قدمين، أن يعود من العمل بلعبة لطفل قد يأتي، وأن يكون له بيت ركنه حجر وسقفه من حديد.
روضة السالمي
من مجموعة "أبعد من اللون"

2‏/3‏/2012

العدد الثاني من القصة المصوّرة الأصدقاء في بلاد الديناصورات

صدر العدد الثاني من سلسلة القصص المصوّرة "الأصدقاء في بلاد الديناصورات" نشر مدينة العلوم بتونس، ونصّ روضة السالمي، ورسوم حاتم بوزويتة. في هذه العدد يتعرّف الأصدقاء على الصغير كركود الذي يخرج لتوّه من البيضة، فيحاولون الاعتناء به. ويبدون شجاعة كبيرة من أجل إنقاذه من فكّ الكركرودنتوزوروس الضخم الذي حاول التهامه. ولكن إلى أين ستأخذهم أقدامهم هذه المرّة؟ لمتابعة بقية أطوار القصّة انتظروا العدد القادم من "الأصدقاء في بلاد الديناصورات".