21‏/6‏/2012

حلم برتقالي

تنبثق الأضواء من الأعلى. فتتحرّك هالات مائلة من النور الأزرق، والأحمر، والأصفر، تصاحبها قرعات الطبول. تتلاحق الأضواء، ويتسابق النقر. تتوجّه الأنوار نحو الشمال. ثم تعدّل مسارها نحو اليمين. وتتوقّف في الوسط هنيهة. تمتزج في ما بينها. ثم تعود، لتواصل سباقها المضيء، مع دقات الطبول.
وفي تلك الهالة من الضوء والإيقاع، ومن دون أن يشعر به أحد، يدخل متعثّرا في حذائه الكبير، ومرتبكا في بدلته الفضفاضة وشعره البرتقالي المنكوش. حاملا في يده سلة من الكرات الصغيرة الملوّنة. على وجهه ابتسامة كبيرة، وأنف مكوّر كبير. وفي اللحظة التي تتوقّف هالة الضوء تماما فوق مكان تمركزه، يحتدّ تصفيق الجمهور.
يحاول أن ينحني للتحية، إلا أنه يتعثّر في حيائه وحذائه. يسقط أرضا، تنفلت كراته الصغيرة في كلّ مكان. يحاول النهوض لالتقاطها. يفشل في استعادة توازنه. يسقط مجدّدا. فيضحك الأطفال ملئ أفواههم. وعندما يتأكّد بأنه لا يستطيع الوقوف، يبدأ السباحة في بركة خيالية، متوجّها للجمهور بابتسامته العريضة، وأنفه الأحمر الكبير، وشعره البرتقالي الأشعث. متقدّما مع كلّ حركة من اليدين ببضع سنتيمترات، في اتجاه كراته المتناثرة.
يكاد يقترب من الكرة الخضراء الصغيرة. يمدّ يده لالتقاطها، إلا أنّ أصابعه ترتطم بقدم تنتعل حذاء بنفسجيا كبيرا. يتلمّس الحذاء غير مصدّق. يلتفت إلى الجمهور يشاركهم حيرته. تهتزّ الخيمة الدائرية العملاقة بالضحكات. وقبل أن يفهم ما يحدث، وفي غفلة من الجمهور، تدخل مجموعة من المهرجين. فيها أقزام وعمالقة، تحيط به من كلّ جانب. يقرع الطبل بطيئا في البداية ثم يتسارع إيقاعه. يمسك الجمهور أنفاسه. وعندما يتوقّف صوت الطبل، يمسكونه من يديه وقدميه. يأرجحونه يمينا وشمالا. فتتأرجح ثيابه الفضفاضة. يستغيث بالجمهور، وبالمهرّج الأبيض ذي الحذاء البنفسجي. لا أحد ينقذه منهم.
يحاول التملّص غير أنه يحكمون قبضتهم عليه. وفي اللحظة التي يستعدّون فيها لرميه بعيدا عن مركز الحلبة، تهبط بهلوانة من أعلى الخيمة، وتنتشله لتأخذه معها في الأرجوحة. وفي انطلاقه نحو سقف الخيمة، يسقط شعره البرتقالي المنكوش على الحلبة.
روضة السالمي، من مجموعة أبعد من اللون، تونس 2012