8‏/3‏/2013

جداريات إدارية في مدح بعض من البرية

إداريات
حمّام الأحلام
حضرت الدقائق الخمس الأولى من الاجتماع العام، ثم ذهبت إلى الحمام. سافرت هناك إلى أماكن بعيدة، فيها بحر وسماء، فيها عشب وضياء. وعادت قبل الدقائق الخمس الأخيرة، قدّموا خلالها الخلاصة، ومفادها أن لا مكان للأحلام، سوى في الحمام.
خلاصة الخلاصة في لمّ شمل البصّاصة
قرّر الرعاع - ممّن لا مناصب لهم - وذووا المناصب - ممّن لا شرف لهم - القيام باجتماع، يقولون فيه بالإجماع لا للمدير الطمّاع.
وخلال الاجتماع تسلّل سفراء السلام، واحدا – واحدا، لينقلوا بكلّ أمانة وقائع الاجتماع إلى سيّدهم المدير، ثمّ عادوا على أطراف أصابعهم واحدا – واحدا، والتصقوا بالجموع، فيما ذهب آخرون بنفس الطريقة للقيام بنفس المهمّة.
المهمّ في الحكاية أنّ المدير العام، تفتّق ذهنه الوقاد عن حيلة تنجيه من لاءات كلّ الأوغاد، فانتحب وضرب الكرسي بقبضته وأجهش بالبكاء. وبطريقة عجيبة غريبة علم الجميع بمسألة التمساح ودموعه، فخرج كلّ من في القاعة من أوغاد وأضداد وذهبوا إلى المدير المكلوم، الذي ذكّرهم بين الشهيق والنفير، ومسح المخاط والضراط، بكلّ الوعود التي قطعها لهم، وبكل الصعوبات التي منعته من الوفاء وإزجاء العطاء.
وهكذا، أنقذت الدموع المدرار منصب أخذ القرار. ويبقى الرعاع رعاعا والضباع ضباعا.
الزمان والمكان على رقعة شطرنج بلا ألوان
زرقة السماء على شاشة الكمبيوتر تشبه بشكل مريب صورة السماء التي يختزنها في ذاكرته. لكن لا وقت للزرقة لديه. عليه أن ينتهي من كتابة التقرير وتسليمه إلى المدير، قبل أن يبدأ بكتابة تقرير جديد.
سبع ظلال قاتمة رمادية لأشكال هلامية باردة
السكرتيرة ظلّ المدير على الأرض. أصحابها أصحاب المدير. جيرانها جيرانه. الروائح التي تطلقها من مؤخرتها، لها نفس الرائحة التي تخرج رغما عنه من مؤخرته. من لا يلقي عليها التحية والسلام، فهو من دون شك محشور في زمرة الأعداء، هو من الغاوين، الضالين.
السائق ظلّ المدير على الأرض. عيونه عيون المدير. فمه فم المدير. أذنيه أذنا المدير. والويل لمن تسوّل له نفسه التطاول على مقام المدير وسائق المدير.
ذراع المدير اليمنى هو المدير نفسه. أسراره أسرار المدير. أفكاره أفكار المدير. وكذلك الشأن بالنسبة إلى الذراع اليسرى للمدير. حيثما تصل أناملها تصل أنامل المدير. والأماكن التي توضع فيها تلك الأصابع إنما هي الأماكن التي تتوغّل فيها أصابع المدير.
وأطراف المدير السفلى، خذ عندك مثلا الطرف السفلي الأيمن للمدير، إنه يذهب أينما ذهب المدير. والطرف السفلي الأيسر إنما هو المدير.
أما الرأس المدبّر، ذلك المتخفي في مكتب معتم، الذي يبحث في الشبكة عن أثر أفكار قد تبدو مناهضة لأفكار المدير، إنما هو المدير نفسه في امتداده عبر الزمان والمكان.
وإن صادف وكنت من الغاوين الضالين المفسدين، ولم يرض عنك لا السكرتيرة ولا السائق ولا الرأس أو الأطراف فابحث لنفسك عن صمت ترتديه لتستطيع العيش في انتظار مرتبك الشهري.
شرعية فقدان العذرية لتسوية الشؤون الإدارية
فكّر بفكرة. أعصر ذهنك. ضع كلّ موهبتك على ورقة. تفان في تعقّب التفاصيل. حبّر أمتارا من الورق. تخل لأسابيع عن الفطور والغذاء. احلم ليلا بمشروعك. انهي المسوّدة وأسرع في تقديمها لرئيسك. سيشكرك حتما. سيغيّر بعض قوافيه. يعيد ترتيب الجمل فيه. ويمهره بتوقيعه الجميل. افرح. فقد أصبحت من المقرّبين. واشكره أنه تركك تنعم بالخيال وتحلم. فقد كان بإمكانه منعك من التفكير.
لذلك اشكره وشجّعه بأجمل ابتسامة لديك. الفت انتباهه إلى بعض التفاصيل التي قد تفوته. وبالغ في تهنئته بمشروعه الجديد. فالمهمّ أنك عندما تنظر إلى مربّع السماء المتسلّل من نافذة مبهمة تستطيع أن تنظر إلى بعيد.
ميزة البله لبلوغ مراتب الوله
أحبّ للمدير ما تحبّ لنفسك. تمنىّ له ما تتمنّاه لنفسك. إن سمعت عنه شيئا يسيئه، فانقله إليه، ليس من باب الوشاية، وإنما لأنك لا تحبّ ذلك لنفسك. وإن سمعت عنه شيئا حسنا، فانسبه إلى نفسك. ليس كذبا أو افتراء، ولكن لأنك فعلا فكّرت في ذلك في لاوعيك قبل أن ينطقه الآخرون. إن فعلت ذلك فأنت في الطريق السريعة رقم 4.
دائرة السرور في تدبير الأمور
الباب الواسع قد يضيق على ضيقي الأفق مثلك. الباب واسع يستطيع أن يدخل منه الجميع، ولكنه يفتح لشخص واحد فقط. ذلك الشخص هو من ينال رضا المدير. فاحرص أن تكون أنت الشخص المحظوظ. ذلك الباب الواسع اسمه باب الرضا. وفي الإدارة أبواب أخرى كثيرة. أغلبها مخصّص للخروج.
فصل المقال في حسن المآل
إن نادتك السكرتيرة يوما للقاء المدير، فتدبّر أمرك. افرك مصباح علاء الدين. اطلب الرحمة من ربّ العالمين، أو اطلب النصح من المقرّبين. المهمّ أن تسرع وتتصرّف. يجب أن تفوح منك رائحة عطرة. أن يكون هندامك أثر من لائق. واحرص كلّ الحرص ألا تكون رائحة فمك كريهة. احمل كيسا أو اثنين من الشائعات. وعلبة أو اثنتين من القيل والقال. من يدري قد ينفعك ذلك وقت السؤال.
لا تكن كما تكون بل كن كما كنت
كن من المقربين الدائمين إلى الحاجب وعاملة النظافة، من السائق والسكرتيرة، ومن كلّ شخص تستشعر كفاءته في تدبير الأمور. تسلّح بابتسامة كبيرة، ونظرة ثاقبة، وتفانى في خدمة الجميع. فأنت لا تستطيع أن تعرف من يكتب عنك التقارير.
طبق طائر على شكل فطائر
عشرة أشياء هي سلاحك في عالم الإدارة. لا أعلم عنها شيئا. وإلا لكنت المدير. غير أنني أرجّح أنها مزيج من مكر، ودهاء، وبعض الذكاء، أضف إليها جيشا من الحلفاء، وعيون الأصدقاء، أفرغ فيها محتوى حقائب من أقوال الحكماء وبلاغة السفهاء، امزجها بأخبار حفنة من الأعداء، زوّقها بابتسامة صفراء، ورغبة كبيرة في البقاء تحت أقدام أفضل المدراء. يبدو أنّ وصفتي تجاوزت عشرة مكوّنات، ذلك يعني أنني لا أجيد طبخة الارتقاء. روضة السالمي، تونس 5 مارس 2013