18‏/6‏/2013

تجاعيد القمر

تجاعيد القمر

يستند على جدار كوخه يرقّع شبكة أيامه. يمسك إبر الماضي ويمرّرها بين ثقوب الذاكرة.. تحاول يده المرتعشة أن تتحسّس طريقها في الشبكة المتهرئة. وحين تتعب أصابعه المتخشّبة، يسرح بنظره في الأزرق الممتدّ أمامه. ويتنهّد ككلّ مرة.. "حتى الألوان فقدت ألوانها.." يقول في صمت.. ثم يتساءل في داخله "أم تراني نسيت شكل اللون الأزرق؟.."
منذ سنين لم يركب زورقا للصيد. وحين يشتدّ به الشوق، يمسك آخر شباكه، ويرقّع ثقوب الحكايات بخيط من الصبر والخيال..
تدخل زوجته، عروس البحر. تلك التي اصطادها ذات قمر. وأعطاها شبابه لقاء أن ترضاه عريسا. تداعب رأسه بحنان، وتسأل:
- هل ندمت على مهرك لي؟
- ندمت على عمري الذي ضاع قبل أن ألقاك..
يجيبها
- فلماذا إذن ترقع شباكك أيها الصياد؟
تسأله
- كي أعيدك إلى البحر الذي خرجت منه.
يقول العجوز
- لكنني نسيت العوم.
تجيبه عروس البحر
- ستتذكّرينه حين تدخلين الأعماق معي.. سنتذكّر لونه، وتعلق بنا رائحته.
يجيبها مطمئنا
تجلس قربه، تستند على الجدار، تمسك طرف الشبكة، وتأخذ منه عدة الخياطة. وشيئا فشيئا يستعيد وجهها تجاعيد القمر. وحين تتعب أناملها المتخشّبة مسك خيط الماضي، تتأمل مثله الأزرق الممتد. وتفكّر بصمت بأن هذا الأزرق الذي أمامها لا يشبه ذاك الذي سبحت فيه ذات قمر عندما تركت نفسها للسندباد يضعها في شباك قلبه.

روضة السالمي، تونس، نوفمبر 2010