12‏/11‏/2014

فيلم بالأبيض والأحمر


 كانت السابعة صباحا. عندما سمعت طرقا على بابي. كنت عازما على القيام برحلة صيد لتنشيط جسمي وتجديد دمائي. وكنت أوشك على الانتهاء من إحكام إغلاق النوافذ
. أسدلت الستائر سريعا، وفتحت الباب مردّدا بصوت خافت سيلا من الشتائم. ابتسمت لي بشفتين ممتلئتين مصبوغتين بالحمرة. فبردت أطرافي واشتدت خفقات قلبي. رددت على ابتسامتها بأفضل منها، وسألتها بصمت رافعا حاجبيّ عمّا تريد.
قدّمت نفسها على أنها جارتي في الطابق الرابع، وهي تحتاج إلى قليل من السكر الناعم لتعدّ فنجان قهوة. أوسعت لها الطريق فدخلت دون تردّد. كانت في بدايات الأربعين، وبها مسحة من جمال قديم..
بدت لي وهي تدخل شقتي كممثلة من الدرجة الثانية في فيلم تجريبي بالأبيض والأسود. تأكدت من خلوّ الممر من الجيران فأحكمت إغلاق الباب. .
كانت المرّة الأولى التي ألتقيها. غير أنه بدا لي من حركتها داخل فضاء الشقة بأنها تعرفها جيدا أو على الأقل تعرف ما تريد. فقد توجّهت رأسا إلى المطبخ معلّقة في طريقها على لون الستائر الحمراء.
سألتها مستظرفا جرأتها وأنا أتبعها متأملا خلفيتها المدهشة:
- وما العيب في أن تكون الستائر بهذا اللون؟
التفتت لي، وأجابتني بابتسامتها التي بدأت أتعوّد عليها:
- لأنها توحي لي بأن شيئا ما سيحدث... وكأنها ستفتح بعد نهاية فصل من مسرحية... أو كأن كائنا افتراضيا غامضا سيخرج من خلفها ..
هنّأتها على خيالها الخصب ودخلت المطبخ ورائها. أبدت هي تبرّمها من الأواني التي لم تغسل منذ أيام، وفتات الخبز وبقايا تفاحة مقضومة متعفنة على الطاولة. وقفت أنا في وسط المطبخ أتأملها وهي تشرع في غسل الصحون وتثرثر وكأنها تعرفني منذ زمن.
تكلّمت عن زوجها الذي هاجر إلى ايطاليا منذ خمس سنوات ولم يعد. حدّثتني عن الحوالات البريدية التي تصلها كلّ شهر بالعملة الصعبة والتي لم تعوّضها عن حضنه الدافئ. وعن احباطاتها وآمالها. وعن جاراتها وهن يلكن سيرتها وكأنها أحداث في مسلسل درامي. وأعدّت القهوة وهي تحدّثني عن طفولتها وعن رغبتها القديمة المبتورة في التمثيل. وسكبت فنجانين من القهوة مع السكر لي ولها وهي تحدّثني والدها القاسي وأمها الضعيفة المستسلمة.
كنت طيلة الوقت واقفا واضعا يدي في جيب بنطالي. أتأملها. أتفرّسها. وأراقب ثغرها الملوّن بالحمرة وهي لا تتوقف عن الثرثرة. وكانت هي تتكلّم فيما كنت أنا أتلمّسه وأداعبه وأقبض عليه بأصابعي وأفركه حتى أحسست بثقله ودفئه.
ولم تصمت جارتي إلا بعد أن أمسكتها بغتة من ذراعها بقوّة وأدنيتها مني حتى التصقت بي. ثم وبحركة خاطفة خفضت رأسها. وحينها أخرجته بخفّة من جيبي وأدخلته عنوة في فمها. لامس أسنانها في طريقه، لكنني تمكنّت من حشره بأكمله تقريبا. فقط بقيت أصابعي القابضة عليه خارجا تلامس شفتيها المنفرجتين الملونتين بالحمرة. ثمّ أفرغته فيها وأنا أركّز على الحائط قبالتي. وأنتظر متى سيتحرّك الستار ليعلن نهاية الفصل.
في الحقيقة كانت الطلقة الأولى كافية لقتلها، ولكنني استمتعت بإفراغه كلّه. أتأملها الآن وهي مفغورة الفم مثقوبة الجمجمة مرمية على البلاط الأبيض تسبح في دمها، وأحسّ بالنشوة واللذة... والخفة. ألقيت نظرة خاطفة على الساعة الحائطية التي ارتطمت بها بعض قطرات الدم، وفكّرت كم سيكون ممتعا أن ألحسها بعد أن تجفّ. كانت السابعة وخمسة وأربعين دقيقة صباحا. يبدو أنني لن أذهب إلى الصيد هذا اليوم، فقط سأكتفي بملء قوارير الدماء الطازجة وأضع اللحم في الأكياس..
روضة السالمي
تونس، 12 نوفمبر 2014